Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

عندما تمطر السماءُ حجارةً

تشكل بعض الذكريات في مناطق الشعور الباطني لدى الانسان، مكامن وجع تثير الشجون كلما قاده الشوق اليها!!

ومن تلك الذكريات، هزة الأم لمهد رضيعها وهي تغني : (دللو يمة دللو) حالمة بيوم يكبر فيه وتكبر معه ثمرة العمر، فتكون عندها (دللو يمة دللو) ذكرى تداعب الخيال المتعب كلما رأته يختال بمشيته بين أقرانه!

تلك اللحظات هي أغلى ما تملكه الأم عندما يشيخ الزمن فيها وتركنها ضوضاء الحياة وضجيجها الى زاوية مغلفة بالنسيان، لتتمنى عندها لو ان عجلة الزمن قد توقفت عند هزة المهد وعند غنوة (دللو يمة دللو) ليبقى صغيرها صغيرا وليبقى الحلم حلما!!

فيا ترى لماذا؟

لماذا عندما يشيخ الزمن في الواحد فينا، يصبح كمّاً مهملاً يحتار الآخرون أين يضعوه؟!

صورة المرأة العراقية وهي تفترش قارعة السوق لتبيع شيئا ما تقيم به أود حياتها أو ربما أود اخرين معها ينتظرونها تأتيهم برزق يومهم، يثير اشجاني!!

نظراتها الحزينة المترقبة طرقات على الباب أو رنة هاتف لترى أو تسمع صوتا طالما فدته بروحها وغذته بعصارة قلبها، بعدما أمست وحيدة غريبة في دارها، تستجدي عطف من وهبتهم الحياة... يثير مخاوف الأمومة في داخلي: هل سيأتي دوري؟!

وفي ذلك الصباح عندما مدت تلك المرأة العجوز يدها النحيلة المتهرئة طالبة المساعدة للصعود الى سيارة النقل (الكية) في مرآب الحلة لتجلس الى جواري وهي تهمس: (هاية عيشة؟! )

استقرت الأم الكبيرة في مكانها والزمن يحفر اخاديده في وجهها الحزين المطل على العالم الآخر من خلال عينين أثقل الحزن نظراتهما وافترش اليأس منافذ العبور اليهما!! وقبل ان تصل السيارة الى مقصدها همست في اذن الجالس أمامها فأدركت ان المرأة لا تملك أجرة ركوبها، فدنوت هامسة: هل من مساعدة؟ فاذا بوابل من الدمع المتحجر قهرا خلف أسوار العينين الحزينتين ينهمر وهي تقول: اعطتني ابنتي ثلاثة الآف دينار وقالت لي اذهبي للزيارة! لا ادري اين سقطت مني النقود؟!

كفكفت دمعها واجابتني عن جملة اسئلتي التي حاصرتها: طردني ابني، لا يريدني او زوجته لا تريدني، اسبوع اقضيه عند ابنتي الصغيرة في الحلة واسبوع عند الاخرى في النجف، آخر عمري اعيش مع النسيب!!

تبللت علامة استفهام كبيرة ارتسمت أمامي بدموع هذه الام الكبيرة: يا ترى كم أم عراقية آل الزمن بها الى هذا الحال؟ أو الى قارعة الطريق تبيع شيئا ما تقيم به أودها؟!

هل هي تداعيات الالفية الثالثة المتعصرنة بثورة المعلومات والتكنولوجيا؟!

هل هو صراع البشر بين الانسنة والتشييء؟ فأصبحت حتى العواطف والقيم، أشياء قابلة للمقايضة؟

كيف يمكن للانسان ان يمارس يومياته بصمت ولا مبالاة وهناك دمعة لأم تحفر أخاديد اليأس على وجنتيها؟!

لو كانت المرأة، في يوما ما، متعلمة، وصاحبة وظيفة او مهنة، هل سيكون مصيرها كهذه الأم المسكينة؟!

لو اردنا مجتمعا فاضلا، تحترم فيه قيمة الانسان، فعلينا ان نهتم بتعليم أفراده جميعهم، ولو اردنا حماية حقوق المرأة فعلينا ان نضمن تعليمها أولاً، ومن ثم اعطاءها فرصة عمل وبالتالي فرصة حياة كريمة، لان العلم والمعرفة وتمكين المرأة اقتصاديا افضل ضمانة لحماية حقوقها من كل الدساتير والقوانين والشعارات وأبواق المنظمات ومتعهدي حقوق الانسان!!

فلأجل مستقبل خال من طرقات تفترشها النساء الكبيرات، ولاجل حياة فضلى لا تشعر المرأة فيها بقوة تقهرها على ان تمد يدها الى الآخرين او ان تكون عالة عليهم، علينا بتعليم الفتاة وتثقيفها، والزامها على اكمال دراستها حتى الصفوف العليا، ومن ثم تمكينها اقتصاديا وتأهيلها للقيام بأدوارها المختلفة في بناء الحياة.

اعتقد ان هذا هو الاهم في الوقت الراهن لدعم حقوق المرأة، وهذا ما يجب ان تهتم به المؤسسات الحكومية والدينية والثقافية والانسانية، لان الارض التي تحت أقدامنا تكاد تسيخ، كما السماء تكاد تمطر علينا حجارا.



Opinions
الأرشيف اقرأ المزيد
زيادة رواتب المعلمين والمدرسين وبدل طعام لمنتسبي الشرطة الصباح الجديد/
أعلن الناطق الرسمي للحكومة الدكتور علي الدباغ ان مجلس الوزراء ناقش خلال جلسته التي عقدها امس الاول الخميس موضوع وجود القوات متعددة الجنسيات
رسالة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن اليوم الدولي للسلام نركال كيت/ لعل البعض منا يعتبر السلام واقعا يوميا. فشوارعنا آمنة؛ وأطفالنا يذهبون إلى المدارس. وعندما يكون النسيج الاجتماعي قويا، نكاد لا نلتفت إلى هبات السلام الثمينة. رئيس الجمهورية يستقبل عددا كبيرا من نواب ائتلاف الكتل الكردستانية شبكة أخبار نركال/NNN/ استقبل فخامة رئيس الجمهورية جلال طالباني في قصر السلام ببغداد، مساء يوم استمرار مأزق اللاجئين العراقيين أكثر من أربعة ملايين عراقي يعيشون حالياً خارج منازلهم و/ أو وطنهم، بضمنهم 800 ألف هربوا من ديارهم بعد تصاعد العنف قبل عام، وفق تقرير صدر مؤخراً عن منظمة الأمم المتحدة للاجئين. بحدود 95% ممن هربوا من العراق لجئوا إلى بعض بلدان الشرق الأوسط، منهم 2 مليون
Side Adv2 Side Adv1