Skip to main content
بعضهم يعمل في المستشفيات.. العمالة تحرم أطفال العراق من التعليم Facebook Twitter YouTube Telegram

بعضهم يعمل في المستشفيات.. العمالة تحرم أطفال العراق من التعليم

المصدر: صحيفة المدى

 تبارك عبد المجيد

يَجد ثلث أطفال العراق أنفسهم خارج أروقة المدارس، يعملون في بيئات عمل قاسية تفوق قدرة أجسادهم الصغيرة على تحملها، ومع وجود قوانين تحظر عمالة الأطفال وتؤكد حقهم في التعليم، فإن وجودهم في مؤسسات حكومية، بما في ذلك المستشفيات، لا يزال يثير "الدهشة"، ويتنافى مع تلك القوانين.

يقول صفاء محمد، (طبيب في أحد مستشفيات محافظة واسط)، إن "ظاهرة عمالة الأطفال تنتشر بشكل كبير في مستشفيات المحافظة، تحديداً مستشفى الزهراء، حيث يتم تعيين معظم الأطفال عن طريق الواسطة، ونتيجة لسيطرة جهات محددة على المنطقة، يتم ذلك بسهولة تامة".

يوضح لـ (المدى)، أن "معظم الأطفال الذين يعملون في المستشفيات يتواجدون في أقسام الطوارئ أو في اعمال التنظيف، بينما يعمل بعضهم في شركات خاصة داخل المستشفيات"، مشيرا إلى، أن "أعمارهم لا تتجاوز السبعة عشر عاما".

ويضيف أن "الأطفال والنساء غالبا ما يكونون أول ضحايا سوء إدارة الدول، وتأخرها بالجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والعراق ليس استثناءً في هذا السياق، حيث تتراكم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية نتيجة لعدم الاستقرار السياسي والأمني والحروب المستمرة، مما يؤدي إلى ظهور ظواهر سلبية مثل عمالة الأطفال".

الدكتور محمد الخزرجي، الذي يعمل في مجال التحليلات المرضية في احد مستشفيات الموصل، يصف الوضع بأنه "مستفز للغاية"، حيث يعتمد المستشفى بشكل كبير على الأطفال في أعمال التنظيف، وأشار إلى أن "هذا الوضع مقلق لأن معظم الغرف والأدوات الطبية تتطلب مراعاة احتياطات السلامة واعتماد أشخاص متخصصين بسبب الخطورة الناتجة عن وجود فايروسات وجراثيم متنوعة، لا سيما أجهزة غسيل الكلى التي تحتوي على كميات كبيرة من الملوثات والفطريات والبكتيريا".

ويضيف أن "أعمار هؤلاء الأطفال لا تتجاوز الخمس عشرة عاما، وتظهر وجوههم شاحبة وأجسادهم مهلكة، ويقدر عددهم بحوالي عشرين طفلاً"، وبشأن أجورهم الشهرية، أوضح أنها "تبلغ حوالي 150 ألف دينار، وغالبا ما تتأخر في الدفع في معظم الأشهر، ويعتبر هذا المبلغ ضئيلا جدا مقارنة بخطورة وقساوة العمل الذي يقومون به"، ولم يبد أي استغراب من وجود اطفال يعملون بمؤسسة حكومية، بظل غياب الرقابة والمتابعة، كون من مسؤول عن هذا الدور هو من يسمح باستمرار هذه الظاهرة، وفق قوله.

يقول الحقوقي مصطفى البياتي إن "قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تنص على معاقبة من يتسبب بتشغيل الاطفال وتتراوح بين الغرامة المالية وإيقاف نشاط صاحب العمل، كما أن قانون الاتجار بالبشر، يعاقب من يستغل شخصا لا يعي حقه، كالأطفال، بالسجن أو الغرامة المالية"، وبشأن القوانين الدولية فيبين أن اتفاقية حقوق الطفل في المادة (32-1) تنص "تعترف الدول الأطراف بحق الأطفال في حمايتهم من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجّح أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي".

ويتحدث البياتي لـ (المدى)، عن بقية القوانين التي يفترض ان توفر الحماية للطفل: "قانون العمل 37 لعام 2015 الأخير، منع تشغيل الأطفال دون سن 15 عاما، وحصر السماح بتشغيل من هم بين 15 و18 وفق شروط ورقابة وفي مهن محددة، فيما حدد عقوبات لأصحاب العمل إذا تم خرق القانون، بالإضافة الى قانون التعليم الالزامي"، ويرى أن "هذه القوانين شبه مشلولة ولا تطبق، على الرغم من وجودها إلا أن الواقع يظهر وجود آلاف الأطفال يعملون في ظروف صعبة، منتشرين في الأسواق والأحياء الصناعية وعلى مكبات النفايات، يعملون في أقسى الظروف التي لا تراعي أي قانون مما يتسبب في تدهور حالتهم الصحية والاجتماعية آلاف الأطفال".

ويستدرك بالقول: ان "الارقام التي تشير الى وجود "مليون طفل عامل"، مفزعة وخطرة، معبرا عن خيبة أمله إزاء غياب إجراءات حكومية فعّالة في تنفيذ وتطبيق القوانين، مما يؤدي إلى دمار مستمر لأطفال العراق وأجيالهم القادمة".

يُقدر عضو حقوق الانسان السابق، علي البياتي عدد الأطفال العاملين بأكثر من 700 ألف طفل، في وقت تشير فيه منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" (UNICEF) إلى أن نحو 90 في المئة من الأطفال العراقيين لا تتاح لهم فرصة الحصول على تعليم مبكر، ورغم زيادة معدل التحاق الأطفال بالتعليم الابتدائي عند مستوى 92 في المئة، فإن إكمال المرحلة الابتدائية بين أطفال الأسر الفقيرة لا يتجاوز 54 في المئة.

يقول البياتي لـ(المدى)، إن "عمالة الأطفال مرتبطة بشكل مباشر بالوضع الاقتصادي، حيث يجد ثلث أطفال العراق أنفسهم في حاجة ماسة للعمل لمساعدة أسرهم، وهذا الأمر يدفعهم لترك مقاعدهم الدراسية، التي تعتبر مكانهم الأصلي".

يضيف البياتي أن "وجود أطفال يعملون في مؤسسات حكومية يزيد من خطورة الوضع، وبالرغم من دلالة ذلك على وجود حاجة ماسة للمال الا انه يؤكد غياب الرقابة والمتابعة من الجهات الحكومية نفسها". كما يشير إلى، أن "هؤلاء الأطفال يعملون في إطار عقود غير رسمية للتعيينات، حيث يتم دفع أجور يومية من خلال تخصيص أموال بدلاً من اتباع الإجراءات الرسمية".

ويرى، أن حل مشكلة عمالة الأطفال يعتمد على "إنهاء ملف الفقر في البلاد وتوفير فرص عمل للشباب"، كما طالب بتطبيق "نظام التعليم الإلزامي وتهيئة بيئة تعليمية مناسبة للدراسة من خلال توفير البنية التحتية والمستلزمات الضرورية، وفرض عقوبات مشددة على من يستغل الأطفال في مهن شاقة".

وتسعى وزارة العمل العراقية، على انهاء ملف الفقر والقضاء على ظاهرة التسول عبر تقديم رواتب ضمن الرعايا الاجتماعية، ويقول المتحدث باسم الوزارة، نجم العقابي إن "الوزارة تعمل بالتنسيق مع وزارة الداخلية لاعداد قاعدة بيانات شاملة بالمتسولين، ستتم مراجعتها لتحديد المستفيدين من شبكة الرعايا الاجتماعية"، مشيراً إلى أنه "خلال العام الماضي تم فتح نافذة الكترونية لتقديم طلبات الرعاية الاجتماعية، وتم استبعاد اكثر من ٩٠٠ الف من ٢ مليون و٧٠٠ الف شخص، لعدم شمولهم بالشروط المستوفية".

واضاف العقابي في حديث لـ(المدى)، أن "شرط شمول المستفيدين من شبكة الرعاية الاجتماعية يتمثل بـ(تقديم تعهد ينص على عدم العودة لممارسة التسول)".

وبين أن "اجتماع الاخير لهيئة الرأي في وزارة العمل ناقش ظاهرة عمالة الاطفال، وتم التأكيد على تشجيع الأسر المشمولة بالرعاية الاجتماعية باعادة اطفالها الى المدارس من خلال إضافة مبالغ مالية لكل طفل يعود للدراسة".

وعملت الوزارة خلال السنوات السابقة على حملات توعية لاصحاب المحال التجارية بشأن خطورة تشغيل الاطفال كما اعلنت عن تعاونها مع اليونسيف للحد من ظاهرة تشغيل الاطفال.

Opinions