انها حرب على الارهاب ايها الرئيس
عندما وصف البعض حرب الولايات المتحدة الاميركية على افغانستان والعراق، بانها حرب صليبية جديدة ضد العالم الاسلامي، رفض الرئيس بوش وقتها هذا الوصف، قائلا (انها حرب على الارهاب) واضاف: انهم، اي الارهابيون، يحاربون قيمنا الحضارية النبيلة، انهم يكرهون الحرية والديمقراطية.
وبرايي، فان الرئيس بوش كان محقا وقتها، فلا حركة طالبان كانت تمثل الاسلام لنعتبر الحرب ضدها على انها حرب على الاسلام، ولا الطاغية الذليل صدام حسين كان يمثل الاسلام باي حال من الاحوال، لنعتبر ان الحرب لاسقاطه وازاحته عن السلطة حرب على الاسلام، فلقد مثل هذان النظامان، وقتها، اسوأ الانظمة الشمولية والبوليسية في العالم، فكانا، ومن لف لفهما، لا يمثلون الا مصالحهم الشخصية، متلفعين بالاسلام لتضليل الناس ولتحشيد الشارع المغفل وراءهم في حروب عبثية ليس للامة فيها لا ناقة ولا جمل.
انهم، ومعهم كل التنظيمات الارهابية التي تتخذ من الاسماء التاريخية والدينية عنوانا لها، يوظفون الدين والمذهب والطائفة لتحقيق مصالح انانية، لم تدر على شعوب المنطقة اي خير، لا دنيوي ولا آخروي.
لم يتغير من الامر شئ خلال السنوات العشر الماضية، فلا زالت الحرب هي هي، واللاعبون هم هم، ربما تغيرت الاسماء والمسميات والعناوين والاشخاص والاماكن، الا ان جوهر الحرب هي ذاتها لم تتغير، انها حرب الارهاب على القيم الانسانية والمبادئ الحضارية النبيلة، الارهاب الذي يمثله ويغذيه نهج التكفير والغاء الاخر، المدعوم بالبترودولار الخليجي وفتاوى التكفير التي يصدرها فقهاء البلاطات الفاسدة لنظام القبيلة الفاسد الحاكم في دول الخليج، والتي تحرض على العنف والقتل والكراهية والبغضاء وتزرع الشحناء، ليس فقط ضد هذا المذهب او ذاك، وانما ضد كل قيم الانسانية، السماوية منها والوضعية، لان التكفير لا يؤمن بحرمة دم وانه لا يؤمن بالاختلاف الذي هو فطرة الله التي خلق الناس عليها، كما انه لا يؤمن بالتنوع والتعددية فضلا عن الراي والراي الاخر، فقاعدته: من لم يكن في صفوفنا وعلى ملتنا وديننا وعقائدنا فهو كافر لا يستحق الحياة ويجب ان ينفى من الدنيا سواء بالقتل او بالحرق او بتمزيق صدره لاكل قلبه وكبده او بحرق بيته على راسه، او باية طريقة ممكنة، فليس في الامر حدود او خطوط حمراء او رادع من نوع ما ابدا { لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً}.
هذه الحقائق يعرفها الاميركيون قبل غيرهم، وعلى اساسها شنوا حروبهم ضد التنظيمات الارهابية في العالم، وان تسمت باسماء دينية، فلماذا، اذن، وصف الرئيس اوباما الاسبوع الفائت نفس هذه الحرب بانها (شيعية ـ سنية) رافضا تورط بلاده بها؟ لماذا رفضت واشنطن وصف حربها على الارهاب فيما سبق كونها حرب صليبية، فيما تعطي لنفسها الحق في وصف ذات الحرب اليوم بانها حرب طائفية؟.
ان تنصل الولايات المتحدة من حربها على الارهاب وبهذه الطريقة المفضوحة سيورطها في الحرب بشكل اسوأ ولكن بطرق ووسائل جديدة، انها الانانية الاميركية التي حاولت واشنطن اخفاءها خلال الفترة المنصرمة، فلماذا تعتبر هذه الحرب على الارهاب اذا مست الداخل الاميركي او مصالحها في العالم، الا انها حرب طائفية اذا ابتعدت عن مخادعهم؟.
اولا: ان الولايات المتحدة الاميركية تتحمل مسؤولية مباشرة عما يجري في المنطقة من ارهاب، لانها الداعم الاول له ان من خلال السكوت عن حلفائها التقليديين الذين يمولون هذا الارهاب بالفتاوى والمال والاعلام الطائفي، او من خلال القرارات الخاطئة، ومنها وصف الرئيس اوباما لهذه الحرب بانها حرب طائفية، والذي اخرجها بهذا التصريح من سياقاتها الطبيعية كونها حرب على الارهاب وبامتياز.
ان وصف اية حرب يجب ان ينسجم مع طبيعتها وادواتها وفحواها، اما ان تطلق الاوصاف هكذا جزافا، فان ذلك نوع من انواع التهرب من المسؤولية التي يجب ان تتحملها دولة (عظمى) كالولايات المتحدة التي ترى نفسها مسؤولة عن تحقيق الامن في العالم مع بقية شركائها في المجتمع الدولي.
ولذلك، فبرايي، لا يجوز وصف الحرب الدائرة في المنطقة بالطائفية، لسببين مهمين:
الاول: ان القاتل في هذه الحرب طرف واحد مدعوم من انظمة وفقهاء تكفير واموال غزيرة، اما الطرف الثاني فهم الضحايا فحسب، بمعنى آخر فان المهاجمين في هذه الحرب طرف واحد يسعى الطرف الثاني الى الدفاع عن نفسه فقط مقابل هجماته الارهابية الوحشية، ولعل ابرز دليل على هذه الحقيقة هو ما جرى مؤخرا في مصر التي تعرض فيها مجموعة من المواطنين المسالمين، وعلى راسهم الشهيد الشيخ حسن شحادة، العزل من اي سلاح، حتى من النية في الهجوم او الحرب او ما اشبه، الى هجوم ارهابي شرس على يد جماعات العنف والارهاب وجمهور من الغوغاء الذين نجدهم في كل ميادين هذه الحرب القذرة يوظفهم الارهابيون التكفيريون لتكثير السواد، اودى، الهجوم الارهابي، بحياتهم وبتلك الطريقة المفجعة التي شاهدها العالم في كل مكان، كما تعرضت جثثهم الطاهرة الى التمثيل والسحل في الشوارع.
لو كانت الحرب طائفية لرد الضحايا واسرهم ومحبيهم على المهاجمين بنفس الطريقة وهم، بالمناسبة، قادرون على فعل ما هو اكثر من ذلك اذا ما خرجوا عن دينهم، الا ان صبرهم وتحملهم وعظهم على النواجذ دليل صارخ على انها حرب على الارهاب وليست حربا طائفية.
المثل الثاني هو الباكستان، فالقتلة يوظفون كل الادوات لانتهاك حرمة دماء وارواح ضحاياهم، ولكن، هل سمعنا يوما ان احد ضحاياهم وظف ادواتهم للرد بالمثل؟.
المثل الثالث هو العراق، فلازال ضحايا هذه الحرب صابرون وصامدون لا يردون بالطريقة نفسها التي يمارس بها المعتدون جرائمهم ضدهم، ولو ارادوا لفعلوا واكثر، الا انهم في كل مرة يريدون ان يثبتوا للراي العام العالمي بان هذه الحرب هي حرب الارهاب وليست حربا طائفية، صحيح ان المجرمين يختارون ضحاياهم على الهوية في اغلب الاحيان، الا ان حربهم تظل حرب الارهاب، وليست حربا طائفية، انها حرب الارهاب على القيم السليمة والانسانية اللتي يتمتع بها ضحاياهم، وليس في ذلك ادنى شك، ولهذا السبب يقابل الضحايا ادواتهم بقيم الصبر والتلاحهم ورفض الرد بالمثل، وشعارهم قول الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام الذي يصف فيه معاوية وما يميزه عنه عليه السلام {وَاللهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي، وَلكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ، وَلَوْلاَ كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ، وَلَكِنْ كُلُّ غَدْرَة فَجْرَةٌ، وَكُلُّ فَجْرَة كَفْرَةٌ، وَلِكُلِّ غَادِر لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللهِ مَا أَسْتَغْفَلُ بالْمَكِيدَةِ، وَلاَ أُسْتَغْمَزُ بالشَّدِيدَة}.
وهكذا هي حرب الارهاب، ايها الرئيس اوباما، فان سلاحهم القتل وفتاوى التكفير والذبح وسحل جثث الضحايا ومضغ اعضائهم الداخلية واشعال الحرائق في بيوت الضحايا، وسلاح الضحايا المنطق والعقلانية والراي والراي الاخر والدعوة الى الوحدة والانسجام والابقاء على الاختلاف في اطار الفكر بعيدا عن اراقة الدماء والتدمير.
سلاحهم التصعيد الطائفي، وسلاح الضحايا التهدئة والصبر على مضض الطريق.
انظر الى ما فعله الارهابيون في مصر ضد الداعية المسالم الشهيد الشيخ حسن شحادة؟ والى ما فعلوه بالامس القريب في دير الزور بحق الداعية المسالم الشهيد السيد حسين الرجا؟ اوليست هي نفس الادوات والوسائل والافعال التي ارتكبها الارهابيون في سفارة بلادك في مدينة طرابلس الليبية؟ في كل الحالات قتلوا واحرقوا وسحلوا الجثث ومثلوا بالضحايا، اليس كذلك؟ فلماذا تعتبر واحدة فقط ارهابا وغيرها حربا طائفية؟ لماذا هذه الازدواجية في المعايير؟ الا ان تكون شريكهم في الاولى والثانية تسعى للتهرب من المسؤولية.
لا تظن ان التهرب سيبعد نار الارهاب عنك وعن بلادك وعن المجتمع الدولي ابدا، فلقد راينا كيف ان السحر الذي فعلته مخابرات المجتمع الدولي وبالتعاون مع مخابرات اقليمية معروفة في افغانستان ايام الحرب الافغانية يوم ان كان السوفيات يحتلونها، كيف انقلب عليهم فاذاقهم الله تعالى ضعف العذاب.
تذكر دائما ان: ليس كل ما يتمناه المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
الثاني: ان ضحاياها من مختلف الاديان والمذاهب والقوميات، الم يعتدي الارهابيون في مصر والعراق وغيرها على المسيحيين وهم من اكثر الشرائح الاجتماعية المسالمة في بلداننا؟.
لماذا تبادر الولايات المتحدة الاميركية وحليفاتها في المجتمع الدولي، وكذلك الفاتيكان، الى ادانة اي اعتداء يتعرض له المسيحيون في بلداننا ويسارعون الى وصف الاعتداء عليهم بالعمل الارهابي، فيما يقف الرئيس اوباما ليصف الاعتداءات الارهابية التي يتعرض لها شيعة اهل البيت عليهم السلام في سوريا ومصر وغيرها بالحرب الطائفية؟ ما الفرق بين طريقة وادوات وشعارات ووسائل ودوافع الذين يعتدون على المسيحيين وبين اولئك الذين يعتدون على الشيعة؟ اوليس كلهم مشبعون بثقافة الغاء الاخر والحقد والتكفير؟ وضحاياهم، اوليسوا كلهم يقتلون على الهوية؟.
ثانيا: ان على الولايات المتحدة الاميركية ان تعيد النظر في طريقة تعاملها مع الحرب في المنطقة، فعليها اولا ان تعيد التسمية الاولى الى هذه الحرب، لتتحمل مسؤوليتها كاملة في الحرب على الارهاب، ولتبادر فورا الى لجم (كلابها) من انظمة المنطقة ومنعهم من الاستمرار في التحشيد الطائفي، فلا يكفي ان تامر (زوج موزة) في (دولة قطر العظمى) بترك السلطة فورا بعد ان ازكمت فضائحه في دعمه المستمر للارهابيين الانوف فلم تعد واشنطن قادرة على ان تبرر له اكثر من هذا، لا يكفي ذلك، بل ان على واشنطن ان تزيل بقية نظام القبيلة الفاسد في دول الخليج عن السلطة، لتفسح المجال لشعوب المنطقة بان تقرر مصيرها بنفسها، وعندها ستهدأ هذه المنطقة الاستراتيجية وسيهدأ الارهاب الذي احد اهم اسبابه هو الانظمة الشمولية والاستبدادية التي تمارس السحق المنظم لحقوق الانسان، والا فان واشنطن ستظل شريكة اساسية وحقيقية في حرب الارهاب في المنطقة، وان وصفها لهذه الحرب بالطائفية لا يعفيها عن المسؤولية ابدا.
لا يكفي ان تستغني واشنطن عن واحد من حلفائها التقليديين بعد ان لفظته مصالحها حاله حال قطعة ورق المرافق العامة التي يستخدمها المرء مرة واحدة فقط ثم يرميها بعيدا، لا يكفي ذلك، بل ان على واشنطن ان ترمي كل الاوراق التي في المنطقة بعيدا، لتهدا المنطقة فتحمي بذلك جبهتها.
وبكلمة موجزة اقول: ان الحرب التي تشهدها المنطقة هي حرب على الارهاب، وان احد اهم اسبابها هي العملية السياسية الجديدة التي يشهدها العراق منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الان، ولا ينكر احدا بان للولايات المتحدة دور في انطلاق هذه العملية، ولذلك فان على واشنطن ان تتعامل مع هذه الحرب على انها جزء مكمل للحرب على الارهاب التي بداتها منذ عقد من الزمن، وان عليها ان لا تنسى بان لها حلفاء وشركاء في هذه الحرب، منهم العراق الجديد وافغانستان الجديدة، ولذلك فان عليها ان تعمل معهم من اجل ان تاتي على كامل فصول الحرب على الارهاب من دون ان تفكر بالتنصل عن التزاماتها، الا اللهم اذا ارادت ان توحي للراي العام العربي والاسلامي بانها فشلت في مشروع نشر الديمقراطية، وانها استسلمت للارهاب ولذلك لم تعد تكترث بما يحصل هناك، او انها تسعى لصب الزيت على نار الحرب في المنطقة لتشغل اهلها بانفسهم لتخرج هي من هذه الحرب سالمة، واذا كانت واشنطن تفكر بهذه الطريقة فهذا هو الغباء بعينه، فالقاعدة تقول (اما ان يهنأ كل العالم بالامن والسلام، او لا يهنأ احد فيه لا بالامن ولا بالسلام) وما حدث بوسطن الاخير الا دليل على ذلك، ام ان السيد الرئيس قد نسي ذلك؟.
ربما هي الفصل الاخير، فبعد ان اشتد اوارها وبدات نيرانها تلامس ذيول كل من اججها واشعلها وحث عليها ووظفها، سيتكلم الجميع مع انفسهم بصوت عال بحثا عن حلول عاجلة، خاصة عندما وقفت اليوم مصر عند حافة منزلق الحرب الداخلية اثر جريمة الارهابيين الاخيرة، ما يتطلب دورا اميركيا ايجابيا من نوع ما، والا فان لعنة التاريخ لا ترحم احدا.
25 حزيران 2013
NHAIDAR@HOTMAIL.COM